نشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريرا تحليليا تناولت فيه تداعيات العقوبات الأميركية الجديدة على صادرات النفط الإيراني، مشيرة إلى السياسات المحتملة الأكثر صرامة لدونالد ترامب، حيث توقعت أن تقل واردات الصين– التي تشتري تقريبا كل النفط الإيراني المصدر– بمقدار مليون برميل يوميا.
وقد وصلت صادرات النفط الإيرانية في العام الماضي (2024) إلى 1.8 مليون برميل يومياً، بزيادة تفوق 12 ضعفاً مقارنة بعام 2018. ومع ذلك، حتى قبل عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، فقد تغير الوضع بالفعل، ومن المتوقع أن يتفاقم هذا الاتجاه قريبا.
20 مليون برميل من النفط الإيراني عالق في البحار
وبحسب ما أوردته مجلة "الإيكونوميست"، فقد قامت ناقلة النفط "إلوا" (Elva)، المسجلة تحت علم ساو تومي وبرينسيب، في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بتحميل مليوني برميل من النفط الخام الإيراني بشكل سري قبالة سواحل ماليزيا. وعادةً ما تستغرق الرحلة من هذا الموقع إلى شمال شرقي الصين، الوجهة المحتملة للناقلة، أقل من أسبوعين، ولكن هذه المرة لم يحدث ذلك.
وذكرت "إيكونوميست" أن الولايات المتحدة أدرجت هذه الناقلة في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2024 على القائمة السوداء بتهمة انتهاك العقوبات، ما جعل أي تعامل معها خاضعاً للعقوبات. وحتى الآن، وبعد مرور ستة أسابيع، لا تزال الناقلة عالقة على بعد أقل من 20 كيلومتراً من الموقع الذي حمّلت فيه النفط.
وأضاف التقرير أن "إلوا" ليست الناقلة الوحيدة التي تواجه هذا الوضع. فمنذ أكتوبر (تشرين الأول) 2024، عندما شددت إدارة بايدن من إجراءاتها ضد ناقلات النفط المرتبطة بإيران، انخفضت صادرات النفط الخام الإيراني إلى الصين– التي تمثل تقريباً كل سوق النفط الإيراني– بمقدار الربع، لتصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً.
وفي الوقت نفسه، استمرت عمليات تحميل النفط الإيراني على أمل حدوث تغيير في الأوضاع، لكن النتيجة كانت أن النفط الإيراني العالق في البحار تضاعف أربع مرات مقارنة بالسابق.
وقدرت "الإيكونوميست" كمية هذا النفط العالق بنحو 20 مليون برميل، مشيرة إلى أن الجزء الأكبر منه عالق قبالة سواحل ماليزيا وسنغافورة.
وقد واصلت مجلة "الإيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى تشديد الضغوط التي مارستها إدارة بايدن في أيامها الأخيرة على روسيا، وذكرت أنه في 10 يناير (كانون الثاني) 2025، فرض المسؤولون الأميركيون عقوبات جديدة على 143 ناقلة نفط، ما يشمل 42 في المائة من صادرات النفط البحري الروسي خلال العام الماضي. كما شملت هذه العقوبات المصدرين وشركات التأمين الكبرى.
وبحسب "الإيكونوميست"، فإن هذا الإجراء سيتسبب في مشاكل قصيرة المدى لفلاديمير بوتين، رئيس روسيا، وكان أحد الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر خام برنت، المؤشر العالمي لأسعار النفط، إلى 81 دولاراً للبرميل في 13 يناير 2025، وهو أعلى سعر له خلال الأشهر الخمسة الماضية.
ثم قارنت المجلة بين روسيا وإيران، مؤكدة أن طهران تواجه تهديداً أكبر. وبينما لم يتخذ دونالد ترامب قراراً حاسماً بشأن حصار روسيا، فإنه مصمم على تجفيف الموارد المالية لإيران.
وأشارت "الإيكونوميست" إلى أن نجاح ترامب في هذا المسعى قد يؤدي إلى اضطراب في أسواق الطاقة العالمية.
فشل نهج بايدن المعتدل تجاه إيران
خلال معظم فترة رئاسته، تغاضى جو بايدن عن النمو في تجارة النفط الإيراني. بين عام 2018، عندما فرضت إدارة ترامب الأولى عقوبات صارمة على طهران، وعام 2024، زادت صادرات النفط الخام الإيراني بمقدار 12 ضعفاً لتصل إلى 1.8 مليون برميل يومياً. ثم، في أكتوبر 2024، غير بايدن نهجه. وفي الأشهر التالية، أضافت وزارة الخزانة الأميركية 55 ناقلة نفط إلى قائمتها السوداء، وهو ما يعادل ثلث أسطول "الأشباح" الذي يتولى نقل النفط الخام الإيراني.
ووفقاً لما كتبته "الإيكونوميست"، فقد أفاد بعض المطلعين على سياسة إدارة بايدن بأن المسؤولين أدركوا أن نهجهم المعتدل تجاه إيران قد فشل. ولم تتراجع طهران بسبب العقوبات، بل نتيجة انتصارات إسرائيل على حماس وحزب الله، وكذلك انهيار نظام بشار الأسد في سوريا. وفي الوقت نفسه، أصبحت طهران أقرب إلى الحصول على سلاح نووي.
ومن جانب آخر، فإن وفرة المعروض العالمي من النفط وضعف الطلب يقللان من احتمالية أن تؤدي العقوبات المشددة على إيران إلى الإضرار بالمستهلكين الأميركيين. وفي كل الأحوال، فإن ارتفاع أسعار البنزين سيكون مشكلة ترامب المقبلة.
وكتبت "الإيكونوميست" أن إدارة بايدن استخدمت العقوبات بذكاء؛ فمعظم النفط الإيراني يُباع لمصافٍ صغيرة في شمال شرقي الصين تُعرف باسم "الأباريق" (Teapots) تعتمد هذه المصافي على النفط الرخيص لتحقيق الأرباح، وتبيع منتجاتها داخل البلاد بالعملة المحلية، ما يجعلها محصنة ضد العقوبات الثانوية التي تمنع الشركات الأميركية من التعامل مع أي شركة تشتري النفط الإيراني عن علم. ومع ذلك، تحتاج هذه المصافي إلى ناقلات نفط ترسو في الموانئ الصينية لتزويدها بالنفط الإيراني الرخيص. ويحقق العديد من هذه السفن عائدات إضافية من خلال شحن البضائع إلى الولايات المتحدة.
وأوضحت "الإيكونوميست" أن مصممي العقوبات استهدفوا الناقلات المسؤولة عن المرحلة الأخيرة من نقل النفط الإيراني، التي تكون عادة من ماليزيا إلى الصين. والآن بدأت الموانئ الصينية، خوفاً من العقوبات، ترفض طلبات هذه الناقلات بالرسو.
وفي السادس من يناير (كانون الثاني)، أعلنت مجموعة موانئ شاندونغ، التي تدير العديد من الموانئ بما في ذلك تشينغداو وريتشاو ويانتاي، عن حظر رسو ناقلات النفط المدرجة في القائمة السوداء الأميركية.
ومع انخفاض العرض، يُباع النفط الخام الإيراني الآن بخصم قدره 1.50 دولار فقط لكل برميل مقارنة بسعر خام برنت، وهو المؤشر العالمي. بينما كان هذا الخصم قبل ثلاثة أشهر يصل إلى 6.50 دولار لكل برميل. وهذا الارتفاع في الأسعار دفع بعض المصافي الصغيرة إلى الخروج من السوق، ما أدى إلى تراجع الطلب على النفط الإيراني.
ووفقاً لما كتبته "الإيكونوميست"، تبذل إيران جهوداً كبيرة لاستبدال الناقلات المدرجة في القائمة السوداء بناقلات "نظيفة"، وهو أمر سبق لها القيام به. لكن أسطول الأشباح العالمي، الذي يركز الآن بشكل أساسي على صادرات النفط الروسية، قد أصبح كبيراً لدرجة أنه قد لا يتبقى عدد كافٍ من السفن للاستئجار. ويزداد الوضع تعقيداً مع حاجة روسيا أيضاً إلى سفن جديدة لتحل محل تلك التي أدرجتها الولايات المتحدة في قائمتها السوداء الأسبوع الماضي.
من جهة أخرى، تواجه المصافي الصينية الصغيرة تحديات إضافية. فقد أدى التوسع في بناء مصافٍ أكبر وأحدث في الصين إلى تقليل هامش الربح لتلك المصافي الصغيرة. كما أن الحكومة الصينية خصصت حصصاً صغيرة لواردات النفط لتلك المصافي بسبب ارتفاع مستويات التلوث الصادرة عنها.
عودة ترامب
وفقًا لما كتبته "الإيكونوميست"، يدخل ترامب إلى المشهد في ظل هذه الظروف. وكخطوة أولى، يمكن لإدارته إضافة ناقلات النفط والتجار إلى القائمة السوداء لوزارة الخزانة. أما الخطوة الكبرى، والتي يُقال إن فريق ترامب يدرسها، فستكون إبلاغ الصين بأن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على الموانئ التي تستقبل النفط الإيراني. والخيار الأكثر عدوانية قد يكون فرض رسوم جمركية كبيرة على الصين حتى توافق الحكومة الصينية على حظر واردات النفط الإيراني والالتزام بشروط أخرى.
إن استخدام مثل هذه التكتيكات يمكن أن يؤدي إلى خفض صادرات النفط الخام الإيرانية بمقدار مليون برميل يوميًا بحلول الصيف. ووفقًا لتقرير "الإيكونوميست"، قد يؤدي هذا إلى رفع سعر النفط بمقدار يتراوح بين 5 و10 دولارات لكل برميل، ولكن هذا الارتفاع في الأسعار سيكون مقبولاً بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وسيعود بالنفع على منتجي النفط في الولايات المتحدة.
وفي ختام التقرير، تناولت "الإيكونوميست" سيناريو أقل تفاؤلًا، مشيرة إلى أن طهران قد ترد على العقوبات المفروضة عليها بمهاجمة دول في الخليج، أو الأسوأ من ذلك، إغلاق مضيق هرمز، الممر الذي يعبر منه 30 في المائة من النفط الخام و20 في المائة من الغاز الطبيعي المسال في العالم. وفي هذه الحالة، قد ترد الولايات المتحدة بإرسال قوات بحرية للتصدي لذلك.
وقد صرح قادة إيران مرارًا بأنهم إذا لم يتمكنوا من تصدير النفط، فلن يتمكن أحد آخر من ذلك. وعندما تُوضع تحت الضغط، قد تلجأ طهران إلى تصرفات يائسة. لذلك، وعلى الرغم من أن الوقت الحالي قد يبدو الأنسب لشن هجوم اقتصادي على طهران، فإن مثل هذا الإجراء لن يكون خاليًا من المخاطر تمامًا.